يُعنى بالإرهاب استخدام العنف العشوائي عمداً
كوسيلة لخلق الرعب أو الخوف لتحقيق هدف سياسي أو ديني أو إيديولوجي. لا يُسمح
بالإرهاب الذي يسفرعنه ضحايا مدنية على الإطلاق. يحدث الإرهاب عادةً في معارك
استقلال الأمم. يرى الحاكم الحالي أو السلطة الحالية أن الإرهاب عمل إجرامي يقلق
النظام الاجتماعي. وأما القوى المعادية للحكومة فتذهب للقول بأن الإرهاب هو أحد
التدابير المشروعة لتحقيق الهدف. لا يوجد حل وسط بين القوتين.
عادةً ما تتم إبادة الكثير من الأعمال الإرهابية على يد السلطات
المسيطرة على قوات الأمن، إلا أن الموقف ينعكس حين يستولي المتمردون على السلطة
ويتم الاعتراف باستقلال الدولة الجديدة. يتم اعتبار الأعمال الإرهابية التي قام بها المتمردون إذاً أفعالاً
وطنية، ويتم تقدير منفذي الأعمال الإرهابية كأبطال، ويقوم المجتمع الدولي بقبول
النظام الجديد. كانت الدولة القومية هي الوحدة الأساسية بعد الحرب العالمية
الثانية. يتظاهر الاختصاصيون في العلوم السياسية بأن الدولة وحدها هي الطرف الذي
يُسمح له باحتواء
وحدات عنف شرعية.
الوضع قبل وبعد استقلال إسرائيل هو مثال على ذلك. أصبحت
الأراضي الفلسطينية التي يسكنها أهل البلد العرب أرضاً خاضعة لحكم الانتداب
البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية. كان دافع اليهود في البداية هو
"الحركة الصهيونية"، ثم استمدوا الشجاعة من وعد بلفور. هاجر اليهود إلى فلسطين واحداً
تلو الآخر واستهدفوا الحصول على أراضيهم الخاصة. شعر مالكو الأراضي الغائبون في
الإمبراطورية العثمانية بعدم الارتياح إزاء الاضطرابات التي أعقبت الحرب، لكن اليهود
أبهروهم بالمال وحصلوا على ملكية الأرض. قام اليهود الذين أصبحوا مالكي الأراضي بطرد الفلاحين العرب وإقامة مزارع مشتركة
"كيبوتس".
وبذلك وقع الصراع بين العرب واليهود. حاولت الحكومة
البريطانية المكلفة بإدارة المنطقة بتهدئة الصراع بين اليهود والعرب عن طريق الحد
من اقتناء المهاجرين اليهود للأراضي. وعليه غيرت حركة المقاومة اليهودية هدفها ليصبح الحكومة البريطانية. كثيراً ما وقعت أنشطة
إرهابية ثلاثية الأطراف في الصراع بين اليهود والعرب والحكومة البريطانية.
أكبر الأنشطة الإرهابية التي قام به اليهود كان قصف فندق الملك
داود في تموز/يوليو 1946 والذي أسفر عن موت 91 شخصاً بمن فيهم نزلاء في الفندق. كان
مرتكب هذه الجريمة هو منظمة هاغانا الصهيونية المتطرفة التي ارتكزت على حراس حماية المزارع المشتركة "كيبوتس". تحولت الهاغانا فيما بعد إلى قوات الدفاع
الإسرائيلية. بعد الحرب العالمية الثانية اشتدت أنشطة الإرهاب المتعلقة بالاستقلال
على يد الهاغانا ومنظمة إرغون العسكرية المتشددتين ضد العرب. والحكومة البريطانية التي فقدت السيطرة قررت أخيراً إنهاء الحكم الانتدابي في 14 أيار/مايو 1948.
ومع وجود فرصة للاستقلال، قامت الهاغانا وإرغون بتصعيد
أنشطتها الإرهابية ضد المملكة المتحدة والعرب. من بين الأعضاء البارزين في
الهاغانا "إسحاق رابين" الذي أصبح لاحقاً رئيس الوزراء وفاز بجائزة نوبل
للسلام، وموشيه دايان الذي كان يرتدي رقعة عين سوداء والذي نسبت إليه الكثير من
الأساطير البطولية. وفي إرغون كان هناك "مناحم بيجن" الذي أصبح بدوره رئيس وزراء لاحقاً.
قام اليهود بإعلان استقلالهم في اليوم الأخير من حكم الانتداب البريطاني.
وقام دافيد بن غليون زعيم الاستقلال بقراءة إعلان الاستقلال الإسرائيلي جهاراً.
كانت العبارة الأولى في إعلان الاستقلال هي: "أرض إسرائيل هي مهد الشعب
اليهودي". لم تعترف الدول العربية المجاورة باستقلال إسرائيل وقامت بالتدخل
العسكري، وبذلك بدأت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى.
في آذار/مارس 1949 تحولت مدينة إيلات، وهي مدينة مينائية تطل
على الجزء الداخلي من خليج
العقبة في البحر
الأحمر، إلى ساحة قتالية، وقام الجيش الإسرائيلي باحتلالها. وقد قام الجنود
الإسرائيليون باستخدام ملاءة سرير من فندق قريب وتحويلها إلى علم وطني لونوه
بالحبر
الأزرق ورفعوه في الميناء. هذا ما كان يدعى باسم "علم الحبر"، وأصبحت
صورة علم الحبر رمزاً للحرب العربية الإسرائيلية الأولى. وتحيط نفس الأسطورة
تقريباً بصورة "رفع العلم على إيواجيما" التي كانت ساحة معارك ضارية في
المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية. وبذلك ضمنت إسرائيل مخرجاً لها على
البحر الأحمر.
في العام نفسه ولد صبي لعائلة المزارعين الفلسطينيين زهرة
في ضواحي بلدة إيلات. لحسن الحظ نجت عائلة زهرة من المعركة وتمكنت من مواصلة حياة
هادئة. إلا أنه لم يكن هناك ما يضمن استمرار الحياة السلمية.
(يتبع ----)
بقلم كازويا آريها
No comments:
Post a Comment