Followers

Tuesday, November 19, 2019

السلام في الأفق - 70 عاماً بعد الحرب العالمية الثانية في الشرق الأوسط (15)









الفصل 2: الموجة العالمية نهاية الحقبة الاستعمارية والقوتان الكبريان الصاعدتان



2-1 (15)    مقارنة بين الحكم الاستعماري الفرنسي والبريطاني

وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو في الحرب العالمية الأولى (راجع المقدمة رقم 5)، حصلت فرنسا على منطقة جنوب تركيا وسوريا وشمال العراق ولبنان. وحصلت بريطانيا على جنوب العراق والأردن والجزء الشمالي من شبه الجزيرة العربية والكويت. ولعب البلدان دور الحاكم الاستعماري في المناطق المخصصة لكل منهما.





إلا أن حركة الاستقلال اجتاحت مختلف الأماكن عقب الحرب العالمية الثانية. كان هناك اختلاف كبير في النظام السياسي في البلدان التي اعترفت فرنسا وبريطانيا باستقلالها. قامت ألمانيا باحتلال فرنسا في الحرب العالمية الثانية. ولم يعد هناك لدى فرنسا المجال للتفكير بشؤون الشرق الأوسط. فقامت لبنان وسوريا بالاستفادة من فرصتهما الهزيلة وإعلان استقلالهما كجمهوريتين في عام 1941. ولم يكن بوسع فرنسا التدخل في هذا الاستقلال. من ناحية أخرى، قامت المملكة المتحدة بتحويل الأردن والعراق إلى مملكتين تابعتين لآل هاشم الذين هم من نسل النبي محمد عليه السلام. وبذلك أوفت المملكة المتحدة بوعد مراسلات الحسين - مكماهون (راجع المقدمة رقم 4).


من الحقائق المثيرة للاهتمام اعتراف فرنسا بلبنان وسوريا كجمهوريتين، واعتراف المملكة المتحدة بالأردن والعراق كمملكتين. يرجع أحد أسباب ذلك إلى النظام السياسي لكل دولة. ففي كلتا الدولتين نظام ديمقراطي برلماني، إلا أن المملكة المتحدة فيها ملكية دستورية كما يوضح اسم الدولة الرسمي "المملكة المتحدة". لم يكن لدى شعب المملكة المتحدة أي اعتراض على الاعتراف بالأردن والعراق كمملكتين.


وعلى العكس من ذلك كان قد تم إسقاط سلالة بوربون في فرنسا عام 1789 على يد الثورة الفرنسية. وقام الشعب الفرنسي بتأسيس الجمهورية ملوحاً بالعلم الثلاثي الألوان. كان لفرنسا تاريخ طويل كجمهورية. وترمز ألوان العلم الثلاثة إلى الحرية والمساواة والإنسانية. فكان هذا هو السبب في سماحها لسوريا ولبنان بالتحول إلى جمهوريتين. إلا أن فرنسا لم ترد فقدان سيطرتها الحقيقية على هاتين الدولتين. ولذلك قامت بتسليم السلطة في سوريا للطائفة العلوية من قبائل الأقليات الشيعية. إن من الوسائل التقليدية قيام السيطرة الاستعمارية بترك السلطة للأقليات كحكام رمزيين تحت سيطرتها. قامت فرنسا من وراء الكواليس بالتلاعب بالأقلية التي كانت بحاجة إلى مساعدة خارجية، وقامت بتشكيل هيكل سلطة امتيازي عن طريق قمع الأغلبية وتحطيمها.




كانت فرنسا ذات وجهين حيث قامت بالدفاع عن الحرية والمساواة والإنسانية في العلن، وقامت بالتلاعب بالمستعمرة على هواها في الخفاء. كان هذا تناقضاً في الدبلوماسية الفرنسية. وقد انتقد الاتحاد السوفييتي هذا التناقض الفرنسي. قام الاتحاد السوفييتي بصفته الدولة الاشتراكية الوحيدة بنشر الصراع الطبقي في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية. فانتشرت الحركة الاشتراكية بمصاحبة القومية العربية. لقد تصرفت الجمهورية السورية بتهور ضد النوايا الفرنسية. وقد كانت فرنسا معرقلة بسبب إيديولوجيتها الخاصة فلم تستطع اتخاذ إجراء حاسم تجاه ذلك. من الناحية التاريخية تعمد فرنسا إلى الهروب حين يسود الارتباك. ففي النهاية طلبت فرنسا من الولايات المتحدة إصلاح ما أفسدته. وهذا هو ما حدث تماماً حين تمت هزيمة فرنسا على يد الفيت كونغ (الحزب الشيوعي الفيتنامي) في حرب فيتنام. حيث غادرت فرنسا فيتنام تاركة للولايات المتحدة مهمة ترتيب الفوضى. إن من حقائق التاريخ استحالة الاعتماد على فرنسا في الحروب. إن فرنسا غير قادرة على لعب دور القائد وحل المشاكل في الشرق الأوسط. لا في الماضي ولا في الحاضر.



من ناحية أخرى، قامت المملكة المتحدة بمراكمة الخبرات الحكيمة عبر سيطرتها الاستعمارية الطويلة خلال عصر الإمبراطورية البريطانية. قامت المملكة المتحدة بتعيين ابنيّ الحسين كملكين على كل من الأردن والعراق. إنهم من نسل النبي محمد عليه السلام، إلا أن المملكة العربية السعودية قامت بإخراجهم من مكة. في أوروبا الغربية حيث تشيع الديمقراطية، يبدو النظام الملكي وكأنه مفارقة تاريخية عتيقة الطراز. لكن الشرق الأوسط كان لا يزال عالَماً تتمتع فيه القبائل بالسلطة والدين الإسلامي متجذر في الحياة فيه. لقد كانت الديمقراطيات الجمهورية والبرلمانية القادمة من أوروبا الغربية سابقة لأوانها في الشرق الأوسط. لقد قامت المملكة المتحدة بالنظر إلى واقع الشرق الأوسط بشكل منطقي وغير انفعالي.



خلال الحرب العالمية الأولى، قام ضابط الجيش البريطاني توماس إدوارد لورنس (تي إي لورنس) الملقب بلورنس العرب بمساعدة عبد الله بن الحسين الابن الثاني لشريف مكة والذي أصبح ملك الأردن لاحقاً.  كان تي إي لورنس مستشاراً لعبد الله على الرغم من كونه مجرد عميل سري للحكومة البريطانية.  في عام 1921 أصبح عبد الله حاكم إمارة شرق الأردن، وفي عام 1946 حصلت الدولة على استقلالها وتحولت إلى المملكة الأردنية الهاشمية. تم إرسال ابنه ولي العهد الأمير حسين إلى المملكة المتحدة للدراسة في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية. وساندهيرست هي أكاديمية تدريب شهيرة التحق بها العديد من أمراء الشرق الأوسط الشباب الراغبين في تعلم الكيفية التي يصبح بها المرء حاكماً جيداً. لقد قامت المملكة المتحدة بتحويل الهاشمي إلى حليف لها.



لقد كان الهاشمي حاكماً أرسلته المملكة المتحدة إلى الأردن. ولكن بالنسبة للعرب العاديين فقد كان يكفيهم أن يكون الحاكم من نسل النبي محمد عليه السلام. لقد اعتبروا الأمر هدية ثمينة من المملكة المتحدة. قام أحد التجار العرب في العاصمة عمان بالترحيب الحار بالحاكم. وكان ابنه خطيب المولود في 1939 عند بداية الحرب العالمية الثانية لا يتجاوز السبع سنوات حينها. لم يكن الصبي قادراً على فهم المعنى الحقيقي لاستقلال بلاده بعدُ. ولكنه كان يتذكر بوضوح ترحيب والده الحماسي بالحاكم الجديد.



 (يتبع ----)



بقلم كازويا آريها

البريد الإلكتروني: ArehaKazuya1@gmail.com










No comments:

Post a Comment