الفصل 4: الحرب والسلام في الشرق الأوسط
4-8
(36) شرق النكبة (الكارثة العظمى)
مُنيت البلدان العربية بهزيمة فادحة على يد إسرائيل في حرب 1948 التي هدفت
إسرائيل فيها إلى الحصول على الاستقلال. كان ذلك سبب إطلاق البلدان العربية على
تلك الحرب اسم "النكبة" وإطلاق إسرائيل عليها اسم "حرب
الاستقلال". وكانت ضحية الحرب الكبرى هم الفلسطينيون الذين كانوا يعيشون في
فلسطين. تدفق إلى فلسطين بعد الحرب حوالي 750,000 يهودي من جميع أنحاء العالم.
ونتيجة لذلك تم ترحيل نفس العدد من الفلسطينيين من البلد ليصبحوا لاجئين. وقد
ازدادت أعداد اللاجئين الفلسطينيين بسبب الحروب العربية-الإسرائيلية اللاحقة. بلغ
عدد اللاجئين حوالي 10 ملايين شخص بالمجمل. وقد نزح معظمهم إلى الدولة الواقعة شرق
فلسطين: الأردن. كانت الأردن هي "شرق النكبة".
ولكن الأردن كانت بلداً فقيرة منذ تأسيسها. وقد عانى الفلسطينيون من حياة
قاسية فيها. واضطر الكثيرون منهم إلى الهجرة إلى دول الخليج كالكويت والسعودية حيث
كان قد بدأ الازدهار النفطي. لقد انتقلوا من أرض النكبة في فلسطين إلى الأردن، ومن
بعدها إلى الشرق مرة أخرى. أصبحت دول الخليج هذه المرة هي "شرق النكبة".
كان اللاجئون الفلسطينيون هم القوة العاملة المجتهدة في دول الخليج المنتجة للنفط.
لقد كان الفلسطينيون عرباً مثل أهل دول الخليج. وكان بإمكانهم التواصل مع بعضهم
بسهولة باللغة العربية. كما كانوا يتشاركون دين الإسلام وينتمون إلى الطائفة
السنية نفسها. لقد قدَّر الكويتيون والسعوديون الدراية الممتازة لدى الفلسطينيين.
كان الناس في دول الخليج يطلقون على المهاجرين لقب "العمال الضيوف"
وعلى أنفسهم لقب "الدول المضيفة". وكان المهاجرون الفلسطينيون الذين
يتكلمون اللغة العربية ويصلّون معهم في المساجد أيام الجمعة أفضل "العمال
الضيوف" بالنسبة "للدول المضيفة". ولكن على القارئ ألا ينخدع
بالانطباع اللطيف الذي تعطيه كلمتا "ضيف ومضيف". فقد كانت تلك كلمات
قاسية ليست لطيفة. الفلسطينيون القادمون إلى دول الخليج للحصول
على جزء من ثروة النفط كانوا عمالاً تعساء. لقد كان يتم تحاشيهم. كان الناس الذين
ولدوا في دول الخليج جاهلين بنقائصهم وقد أساؤوا معاملة الفلسطينيين. كما قام
الأطفال بتقليد أهلهم ومضايقة الأطفال الفلسطينيين بطريقة معيبة.
ولكن الفلسطينيين كانوا مضطرين إلى التزام الصمت حتى لا يفقدوا رواتبهم الجيدة
التي كانت أعلى بكثير من رواتب بلدهم الأم. لقد كانت مكانتهم ضعيفة. وكانت عقود
العمل وفقاً لمزاج
أرباب العمل. وقد كان أولئك يقومون بصرف المهاجرين وطردهم بسهولة. فلقد كانت أوضاع المهاجرين كالعبودية الحديثة تماماً.
تجدر بنا الإشارة إلى أن معنى كلمة المهاجرين (Migrants) تختلف عن معنى كلمة المهاجرين (Immigrants).
فالأخيرة تدل على الأشخاص الذين هاجروا من بلدان أخرى وحصلوا على جنسية تلك
البلاد. على الرغم من احتمال وجود تمييز اجتماعي ضدهم، إلا أن هؤلاء المهاجرين
يتمتعون بنفس الحقوق السياسية وحقوق الضمان الاجتماعي كالمواطنين الأصليين. ولكن
العمال "الضيوف" المهاجرين لا يحصلون على مثل تلك الحقوق.
من الجلي أن الفلسطينيين كانوا أكثر تعليماً وخبرة
واجتهاداً من الكويتيين والسعوديين. إلا أنه كان عليهم في ظل نظام عبودية العمال
المهاجرين الحديث تحمل الإذلال والقيام بواجباتهم. وقد كانوا يرسلون معظم رواتبهم
إلى أقربائهم في البلد. ربما كانوا يحلمون ببناء منزل أو امتلاك أرض أو فتح متجر
صغير ليصبحوا من أصحاب الأعمال الحرة عندما يتقاعدون ويعودون إلى بلدهم يوما ما في
المستقبل.
كان الفلسطينيون تواقين إلى حصول أولادهم على الشهادات الجامعية. عندما كان
اللاجئون يعيشون في الدول المضيفة، كان من الضروري أن تكون لديهم المعرفة والخبرة
الممتازة. كانت عائلتا شاتيلا والياسين لاجئين فلسطينيين من طولكرم حيث عمل رب
العائلة الأولى كمدرس والثاني كطبيب في الكويت. لقد كانوا يهتمون بالشهادات
الجامعية أكثر من غيرهم. فتم إرسال ابن عائلة شاتيلا الثاني إلى الولايات المتحدة
للدراسة على الرغم من أحوال العائلة المادية الصعبة. وكان ابن عائلة شاتيلا الأكبر
الذي يعمل في شركة نفط في السعودية يقدم جزءاً كبيراً من راتبه لدعم تعليم أخيه.
وقد توقعت العائلة أن يحصل الابن الأصغر على الجنسية الأمريكية بعد تخرجه من
الجامعة. إضافة إلى أن السبب الآخر لدى الأسرة كان يقوم على اعتمادهم على هذا
الابن ليهاجروا إلى الولايات المتحدة إذا ما حصل شيء ما في الشرق الأوسط.
لم يفقد والد عائلة شاتيلا أمله في العودة إلى طولكرم أبداً. لقد كان يحلم
بتأسيس مدرسة صغيرة خاصة في مسقط رأسه وقضاء بقية حياته في تعليم الأطفال
الفلسطينيين. وقد قام بمغادرة الكويت والعودة إلى الأردن بعد تقاعده في نهاية
السبعينات. وفي الوقت نفسه تقريباً قام والد عائلة الياسين بإرسال ابنته رانيا
للدراسة في الجامعة الأمريكية في القاهرة وعاد بعائلته إلى الأردن. لقد كان يحمل
رخصة طبيب، ولذلك فقد قرر الإقامة الدائمة في الأردن وتغيير جنسية أفراد عائلته من
الفلسطينية إلى الأردنية.
حين وقعت حادثة "أيلول الأسود" في عام 1970، قامت منظمة التحرير
الفلسطينية (PLO) بنقل مقرها إلى بيروت في لبنان.
وقامت الأردن بإعادة السلام إلى أراضيها في عهد الملك حسين. وعاد الفلسطينيون
الذين هاجروا إلى دول الخليج إلى الأردن بآمالهم وتوقعاتهم الخاصة. لقد انتقل
الفلسطينيون باتجاه الشرق من أرض "النكبة" إلى الأردن في بادئ الأمر، ثم
استقروا في دول الخليج شرقاً. وبعد ذلك انتقلوا غرباً وعادوا إلى الأردن. لقد كان
معظمهم ينتظرون اليوم الذي يستطيعون العودة فيه إلى فلسطين.
(يتبع
----)
بقلم كازويا آريها
No comments:
Post a Comment