الفصل 5: التقويمان (الميلادي والهجري)
5-4
(40) الانتقام والانتقام المضاد
قامت العراق بتحويل جميع بلدان العالم إلى
أعداء لها باجتياحها الكويت. إلا أن الأردن في الواقع قامت بدعم العراق في القمة
العربية التي عقدت بعد الغزو مباشرة. قام الرئيس صدام حسين باستخدام ما يدعى
بنظرية الربط لتبرير سياسته قائلا بأن مِن التناقض شجب اندماج العراق بالكويت حين
يتم قبول اندماج إسرائيل بفلسطين. وقد جذب هذا المنطق تعاطف الدول العربية. إضافة
إلى أن الأردن الصغيرة الفقيرة كانت تتزود بالنفط من العراق بسعر أقل من سعر السوق
الدولية. لم يكن العاهل الأردني الملك حسين قادراً على مقاومة الرئيس العراقي صدام
حسين.
قام صدام حسين المحنك بشن هجمات صاروخية
على إسرائيل 18 مرة. وقد أوضح بأن تلك الهجمات كانت رداً على قصف إسرائيل لمحطة
الطاقة النووية "أوزيراك" في العراق أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
أُطلق على ذلك الهجوم اسم "عملية أوبرا"، وكانت خطة صدام حسين الحربية
تقوم على جذب إسرائيل إلى المشاركة في الحرب. وإسرائيل التي لم تتردد في تسديد
الضربة الأولى دفاعاً عن النفس لم تتمكن من التغاضي عن هجوم الصواريخ العراقية.
وقد اتفق الرأي العام الإسرائيلي على شن حرب ضد العراق.
كان ذلك هو ما توقعه صدام حسين تماماً.
فما إن تشاركت إسرائيل في الحرب حتى يصبح الوضع تكراراً
لحروب الشرق الأوسط السابقة. وتحول غزو العراق الأحادي الجانب للكويت إلى حرب
العرب والإسلام ضد اليهود. في حرب العراق قامت السعودية بقبول العمليات البرية
التي قامت بها قوات متعددة الجنسيات مكونة بشكل أساسي من الدول المسيحية الغربية
برئاسة الولايات المتحدة. وقد واجهت السعودية انتقاد كلٍّ من الجماعات الدينية
الإسلامية المحلية والأجنبية. قد تصبح دول الخليج المَلَكية في وضع مرير في حال
شاركت إسرائيل في الحرب.
قامت الولايات المتحدة بإقناع إسرائيل
بشدة وجعلتها تقلع عن هجومها المضاد. فلو شاركت إسرائيل في الحرب (على الرغم من أن
كلمة "إذا" كانت محظورة في التاريخ) فإن نظام صدام حسين كان سينهار
بالتأكيد إذا أخذنا بعين الاعتبار استراتيجية إسرائيل القائمة على متابعة القتال
حتى فناء العدو. وكان ذلك سيؤدي إلى وقوع الشرق الأوسط في حالة فوضى عارمة. إلا
أنه كان على الولايات المتحدة في ذلك الوقت إبقاء السعودية ودول الخليج الأخرى
المنتجة للنفط حليفة لها. حيث لم ترغب الولايات المتحدة في أن يكون لها المزيد من
الأعداء بالإضافة إلى إيران.
رحب الفلسطينيون في الأراضي المحتلة
واللاجئون الفلسطينيون الذين يعيشون في الأردن بهجمات الصواريخ العراقية على
إسرائيل. كان من عادة القادة في البلدان العربية عند مخاطبة الشعب أن يقولوا بأنه
يجب رمي إسرائيل في البحر المتوسط. إلا أنه لم يكن هناك مِن قائد قام بأية مبادرة
حقيقية باستثناء صدام حسين. ولذلك فقد كان من الطبيعي أن يستحوذ على فكر
الفلسطينيين الوهم بأن صدام حسين سوف يحقق لهم أحلامهم فعلاً. لقد هتفوا بدعمهم
لصدام حسين وقاموا بالتنفيس عن غضبهم.
هتف الفلسطينيون في الكويت بسرور سراً حتى لو لم يكونوا قادرين على الكلام
علناً. فقد جاء الفلسطينيون إلى الكويت بحثاً عن عمل. وكانت عليهم إطاعة الكويتيين
كالعبيد حتى لو كان الكويتيون متغطرسين وكسالى. وعندما قام الجيش العراقي بغزو
الكويت، فرَّ الكويتيون مذعورين إلى السعودية. فسخر الفلسطينيون منهم وشعروا
بالرضا الذاتي. عندما أدرك الفلسطينيون أن العراق قامت بهجمات صاروخية على إسرائيل
ولكن إسرائيل لم تستطع الرد بسبب معارضة الولايات المتحدة، توقعوا أن يقوم صدام حسين
باستعادة وطنهم لهم.
إلا أن كُلاً من طموحات صدام حسين وتطلعات الفلسطينيين كانت أوهاماً. وبعد ستة
أشهر قامت حرب الخليج بتحرير الكويت. فقامت العراق رداً على ذلك بإشعال النيران في حقول النفط الكويتية قبل
انسحابها. اشتعل لهب أحمر ساطع في سماء الكويت وانتثر النفط الخام الأسود في
الصحراء. أصبحت سماء الكويت مطوقة بالدخان الأسود واجتاحت الظلمة البلد حتى في وضح
النهار.
عاد أمير الكويت وعائلته الملكية إلى
وطنهم من منفى الحكومة في السعودية. واستعادت الكويت هدوءها. لقد شعروا بتقدير
عميق للبلدان التي انضمت إلى القوات المتعددة الجنسيات لتحرير الكويت بما فيها
الولايات المتحدة. ولذلك قامت حكومة الكويت بنشر إعلان خاص في الصحف معربة عن
شكرها. وقد اشتملت المقالة على أسماء البلدان التي شاركت في القوات العسكرية
المتعددة الجنسيات كالباكستان والسودان. لكنها لم تذكر اسم اليابان على الرغم من
تبرع اليابان بصندوق مؤونة حرب هائل بلغ 1 ترليون ين. إن الدستور الياباني يحظر
إرسال القوات العسكرية إلى الخارج.
لم تسمح الكويت بتواجد من قاموا بدعم نظام
صدام حسين. فقامت الحكومة بترحيل جميع الفلسطينيين والأردنيين. كما تلقت شركة
النفط اليابانية جنوب الحدود أمراً بترحيل موظفيها الفلسطينيين والأردنيين لأن
الكويت كانت تملك نصف حقوق تشغيل النفط فيها. ذلك كان ثأر الكويت بعد حرب الخليج
رداً على تنفيس الفلسطينيين عن غضبهم خلال الحرب. لكنه كان من الواضح ما سيحدث.
فقد كان الفلسطينيون الذين تم ترحيلهم يدعمون كلاً من القطاعين العام والخاص في
الكويت. وكانت الأضرار المادية التي عانت منها الكويت كبيرة للغاية. فهي لم تستعد
عافيتها حتى بعد ربع قرن من الزمان.
(يتبع
----)
بقلم كازويا آريها
No comments:
Post a Comment