الفصل 2: الموجة
العالمية – نهاية الحقبة
الاستعمارية والقوتان الكبريان الصاعدتان
2-8 (22) مقاتلون
فدائيون أم لاجئون؟ تنقّلات الشعب
الفلسطيني
حاولت منظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها في عام 1964
استعادة حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره القومي وإعادة اللاجئين الفلسطينيين
المشتتين إلى وطنهم عن طريق حركة سياسية معتدلة. إلا أن سياسيي الدول العربية
المجاورة لم يقدموا لهم سوى الوعود الفارغة بدون أي دعم محدد. ثم قامت حرب 1967 (حرب
6 أيام) بتحطيم ثقة السياسيين العرب بأنفسهم بشكل كامل. ونتيجة لذلك ضاع حلم منظمة
التحرير الفلسطينية في استعادة الوطن. كما تدفق أكثر من مليون لاجئ فلسطيني جديد
إلى
الأردن. لقد خاب أمل الفلسطينيين بإخوانهم العرب وتحولت منظمة التحرير
الفلسطينية إلى منظمة قتال فدائي متطرفة.
استلمت حركة فتح التي كانت تعرف سابقاً باسم حركة
التحرير الوطني الفلسطيني قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وقامت حركة فتح بتأسيس
منظمة فدائية مضادة لإسرائيل أتت بنتائج جيدة كصد الجيش الإسرائيلي في المنطقة
الحدودية بين إسرائيل والأردن. في عام 1969 تم تعيين ياسر عرفات من حركة فتح
رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر لقب
قائد الفلسطينيين، مما جعل منظمة التحرير الفلسطينية بوضع الحكومة الفلسطينية
الفعلية في المنفى.
كانت هناك في منظمة التحرير الفلسطينية مجموعة متطرفة
تدعى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (PFLP) لم تكن
راضية عن سياسات حركة فتح المعتدلة. وقد قامت الجبهة بإيديولوجيتها الماركسية
اللينينية بمهاجمة إسرائيل من الأردن. وكان هدفها جذب انتباه العالم إلى سياسة
فلسطين. لقد انضمت الحكومة الأردنية في أول الأمر إلى عمليات مهاجمة إسرائيل،
ولكنها لاقت هجوماً قوياً مضاداً من إسرائيل على الدوام. أدرك الملك حسين استحالة
فوز القتال ضد إسرائيل، وطلب من الولايات المتحدة الأمريكية التوسط وتغيير سياستهم
بشكل واقعي. وقد اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية ما قامت به الحكومة الأردنية
خيانة لها. فخططت للإطاحة بالملكية الهاشمية وتأسيس جمهورية في الأردن. كما قامت
المنظمة بالترويج للنشاطات الإرهابية داخل الأردن وخارجها.
وقد لاقت النشاطات الإرهابية المتطرفة التي قامت بها
منظمة التحرير الفلسطينية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التابعة لها الرفض لا من
المواطنين الأردنيين فحسب بل من الفلسطينيين أيضاً. وحين قامت الجبهة الشعبية
باختطاف خمس طائرات مدنية في عام 1970، فقد الملك الأردني حسين صبره وشرع في نهاية
الأمر بعملية القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية. وقد أطلق على ذلك اسم
"أيلول الأسود" الذي أسفر عن وقوع حرب أهلية في الأردن. تعرضت منظمة
التحرير الفلسطينية التي فقدت دعم الشعب للهزيمة واضطرت إلى نقل مقرها إلى العاصمة
اللبنانية بيروت.
لم تتوقف منظمة التحرير الفلسطينية عن شن هجمات حرب العصابات
على إسرائيل بعد انتقالها إلى بيروت. فتزايدت أعداد اللاجئين الفلسطينيين بسبب
الهجمات الإسرائيلية المضادة الشديدة. وظهرت مخيمات كبيرة للاجئين الفلسطينيين في
جنوب لبنان. قام المتطرفون الفلسطينيون النافذي الصبر بدعوة المنظمات الأجنبية
المسلحة المتوافقة مع توجهاتهم. وقامت منظمة التحرير الفلسطينية بأنشطة إرهابية ضد
اليهود في بلاد الخارج كما قام الإرهاب الأجنبي بمهاجمة اليهود داخل إسرائيل.
وقع نتيجة ذلك حادثان رئيسيان في عام 1972. حيث قام
الجيش الأحمر الياباني بإطلاق النار من بنادق أوتوماتيكية وقتل 26 شخصاً في مطار
تل أبيب الدولي في مايو 1972. قام الإرهابيون اليابانيون بمهاجمة المواطنين
العاديين بشكل عشوائي كما قام إرهابي انتحاري بتفجير القنابل اليدوية. كان ذلك
حادثاً يصعب تصديقه في العالم الإسلامي. فلم يكن قد قام أي من الإرهابيين المسلمين
بهجمات انتحارية من قبل لأن الأديان التوحيدية كالإسلام والمسيحية واليهودية تمنع
الانتحار. يضع البشر حياتهم في يد الله ولا يجوز لهم إنهاءها بمشيئتهم. إلا أن
اليابانيين القادمين من الشرق كانوا يعتقدون بأن موت المرء في سبيل إيمانه هو مثال
الإيمان الأسمى. ربما كان ذلك الانتحاري الياباني يفكر في الكاتب الشهير يوكيو
ميشيما الذي كان قد أقدم على الانتحار بطريقة الهاراكيري قبل سنتين من ذلك. لقد
كان ذلك التفجير الانتحاري حادثاً روع العالم الإسلامي. وكان رائد التفجيرات
الانتحارية. فقد وقعت العديد من التفجيرات الانتحارية في العقود اللاحقة.
بعد ثلاثة أشهر من ذلك قامت جماعة "أيلول
الأسود" الفلسطينية المتطرفة بقتل تسعة رياضيين إسرائيليين في ميونيخ خلال
الألعاب الأولمبية في أغسطس 1972. وأصبحت منظمة التحرير الفلسطينية ملاحَقَة من
قبل إسرائيل. إضافة إلى أن اندلاع الحرب الأهلية في لبنان جعل الوضع أكثر تعقيداً
وسوءاً. وتم طرد منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت فانتقلت إلى تونس عام 1982.
ولم تكن
عملية الهروب هذه حكراً على الكيان وحده. فقد قام الفلسطينيون بالأمر نفسه. لقد
هربوا إلى الأردن. كانت الأردن بلداً فقيرة وليست مكاناً للراحة. وقد قام بعض
الفلسطينيين بتنقلات أخرى بحثاً عن حياة أفضل. في ذلك الوقت كان الازدهار النفطي
على وشك البدء في بلاد الخليج العربي. وكان هناك أمام الفلسطينيين خياران. إما أن
ينضموا إلى المقاتلين الفدائيين في منظمة التحرير الفلسطينية، أو أن يهاجروا مع
عائلاتهم إلى بلاد أكثر أماناً. وقد هاجر الكثيرون منهم إلى الدول المنتجة للنفط.
وأما
عائلة شاتيلا المدرِّس وعائلة الياسين الطبيب الذين هربوا سوية إلى الأردن من
طولكرم على الضفة الغربية لنهر الأردن أثناء الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948
قد انتقلوا مرة أخرى سوية إلى الكويت حيث كان الهدف بناء الدولة بمدخول النفط
الوفير مع التركيز على التعليم والرعاية الطبية. لقد جذبت الرواتب العالية الكثير
من المغتربين العرب.
أصبح الشعب الفلسطيني مشتتاً مثلما كان الشعب اليهودي
قبل ألفي عام.
(يتبع ----)
بقلم كازويا آريها
No comments:
Post a Comment