الفصل 2: الموجة
العالمية – نهاية الحقبة
الاستعمارية والقوتان الكبريان الصاعدتان
2-1 (15) مقارنة بين
الحكم الاستعماري الفرنسي والبريطاني
وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو في الحرب
العالمية الأولى (راجع المقدمة رقم 5)، حصلت فرنسا على منطقة جنوب تركيا وسوريا
وشمال العراق ولبنان. وحصلت بريطانيا على جنوب العراق والأردن والجزء الشمالي من
شبه الجزيرة العربية والكويت. ولعب البلدان دور الحاكم الاستعماري في المناطق
المخصصة لكل منهما.
إلا أن حركة الاستقلال اجتاحت مختلف
الأماكن عقب الحرب العالمية الثانية. كان هناك اختلاف كبير في النظام السياسي في
البلدان التي اعترفت فرنسا وبريطانيا باستقلالها. قامت ألمانيا باحتلال فرنسا في
الحرب العالمية الثانية. ولم يعد هناك لدى فرنسا المجال للتفكير بشؤون الشرق
الأوسط. فقامت لبنان وسوريا بالاستفادة من فرصتهما الهزيلة وإعلان استقلالهما
كجمهوريتين في عام 1941. ولم يكن بوسع فرنسا التدخل في هذا الاستقلال. من ناحية
أخرى، قامت المملكة المتحدة بتحويل الأردن والعراق إلى مملكتين تابعتين لآل هاشم
الذين هم من نسل النبي محمد عليه السلام. وبذلك أوفت المملكة المتحدة بوعد مراسلات
الحسين - مكماهون (راجع المقدمة رقم 4).
من الحقائق المثيرة للاهتمام اعتراف
فرنسا بلبنان وسوريا كجمهوريتين، واعتراف المملكة المتحدة بالأردن والعراق
كمملكتين. يرجع أحد أسباب ذلك إلى النظام السياسي لكل دولة. ففي كلتا الدولتين
نظام ديمقراطي برلماني، إلا أن المملكة المتحدة فيها ملكية دستورية كما يوضح اسم
الدولة الرسمي "المملكة المتحدة". لم يكن لدى شعب المملكة المتحدة أي
اعتراض على الاعتراف بالأردن والعراق كمملكتين.
وعلى العكس من ذلك كان قد تم إسقاط
سلالة بوربون في فرنسا عام 1789 على يد الثورة الفرنسية. وقام الشعب الفرنسي
بتأسيس الجمهورية ملوحاً بالعلم الثلاثي الألوان. كان لفرنسا تاريخ طويل كجمهورية.
وترمز ألوان العلم الثلاثة إلى الحرية والمساواة والإنسانية. فكان هذا هو السبب في
سماحها لسوريا ولبنان بالتحول إلى جمهوريتين. إلا أن فرنسا لم ترد فقدان سيطرتها
الحقيقية على هاتين الدولتين. ولذلك قامت بتسليم السلطة في سوريا للطائفة العلوية
من قبائل الأقليات الشيعية. إن من الوسائل التقليدية قيام السيطرة الاستعمارية
بترك السلطة للأقليات كحكام رمزيين تحت سيطرتها. قامت فرنسا من وراء الكواليس
بالتلاعب بالأقلية التي كانت بحاجة إلى مساعدة خارجية، وقامت بتشكيل هيكل سلطة
امتيازي عن طريق قمع الأغلبية وتحطيمها.